الفياجرا والترامادول والليالى الزرقاء

الليلة الزرقاء فى عرف المصريين هى ليلة غير مبهجة واللون الأزرق له دلالة على صعوبة الأيام فملابس السجن زرقاء، والنموسية الكُحلى تعبر عن نوم طويل بعد تعب وأرق شديدين، وكلمة "نهارك ازرق" تعنى نهار لن يفوت على خير وتؤهلك للتوبيخ وقدر لا بأس به من التعذيب والإهانة، وناهيك عن الذباب الأزرق تلك الارواح الشريرة الحائمة فى الجو.

بتناول الحشيش والفياجرا تتحول الليالى الزرقاء الى ليالى من وحى الف ليلة وليلة.
اللون الأزرق الآن هو ذلك الدخان المتصاعد من تدخين الحشيش وحبة الفياجرا هنا تمنى متناولها بليلة بها كل الألوان.

► الحشيش .. من أين ..؟
يستخلص الحشيش من قمة زهور نبات "القنب" وهى شجرة تنبت فى المناطق الجبلية وتشيع زراعته بآسيا، وخصوصاً الهند وأفغانستان وتركيا ولبنان وعرف حديثا بالسوادان ومصر أيضاً.

والرواية التاريخية الشائعة تقول أن القنب زرع فى خرابات القصر الشرقى الكبير أصل القاهرة الفاطمية، حيث كان هو والجامع الأزهر أهم منشآت عاصمة القاهرة الفاطمية. ويقال إنه انتقل الى مصر من الهند، وإن أول من أكتشفه "جماعة الفقراء الصوفية" ومن هنا جاء أسم "حشيشة الفقراء". ويروى أن شيخ هذه الجماعة فى ظهيرة حارة خرج يتجول فى الصحراء وكان منقطعا عن الكلام مع تلاميذه وبينما هو سائر وجد نباتا فاقتطف منه وريقات وأكلها فعاد إلى تلاميذه منشرح الصدر وبدر منه من الضحك وحتى المداعبات ما لم يعهدوه فيه من قبل. وقيل إنه أوصى بعدم إفشاء سر هذه الشجرة وجعلها قاصرة على أفراد الجماعة كما أوصى أن تزرع على قبرة بعد مماته .

► الحشيش مزاج ديموقراطى..!
هناك تقليد استحدث فى الافراح الشعبية المصرية فى السنوات الأخيرة ألا وهو ، توزيع حبة فياجرا وحبة ترامادول وسجارتي حشيش على الخاصة من المدعوين وتعتبر هذه التحية من اكثر العلامات ترحيبا واحتفاء بالمدعو.
فأصبحت أكثر الأغانى الشعبية انتشارا وترديدا هى أغانى "الدماغ". فالأغنية المتربعة على عرش هذا النوع من الأغانى الآن هى "أنا شارب سوجارة بني .. حاسس ان دماغي بتاكولني .. .."

وعلى الرغم من ان حيازة الحشيش يعاقب عليها القانون المصرى الا انه اصبح جزءاً غير متنازل عنه فى طقوس الافراح الشعبية. والحشيش عاد بقوة بعد سيطرة البانجو لفترة وذلك مؤخرا رغم الأزمة الإقتصادية الطاحنة. الا ان كل المؤشرات تؤكد ان الحشيش احتل مكانا قويا فى الفترة الاخيرة حتى بالنسبة للطبقات الشعبية الفقيرة والتفسير الأوضح لذلك هو رخص ثمنه، وبالتالى توافره، غير ان البعض يقول ان الرخص يرجع لإنعدام الحشيش الأصلى وترويج الأنواع المضروبة بالبرشام ونبات الحنة. والعجيب ان الحشيش مزاج عام للشعب المصرى وانتشار الحشيش فى مصر له علاقة بفكرة أنه حلال لأنه لم يرد نص بالقرآن يحرمه على عكس الخمور.

لذلك يتجول ببساطة من اعلى طبقاتها لأدناها لدرجة انه يستنزف 6 مليارات جنيه سنويا من موارد الاقتصاد القومي ولذلك سمى بـ "المزاج الديمقراطى"

► الحبة الزرقاء مطلب شعبى
الفياجرا: البعض يعتبرونها أعظم اختراع فى القرن العشرين. وبعض علماء الاجتماع يقولون انها احدثت نوعا من الاستقرار فى البيوت وقامت بتقديم حلول لمآساه سريه نَدُر التعبير عنها وذلك لأنها منطقة مسكوت عنها بإعتبارها موضوعا مخجلا يمس ذكورة الرجل ولا يصح الكلام عنه من قريب او بعيد.

ومن الاساطير التى تروى عن "الفياجرا" ان فلاحة مصرية وبعد قضاء ليلة مع زوجها فور تناوله حبة فياجرا ذهبت الى صديقه الذى اعطاه تلك الحبة السحرية وشكرته وعرضت عليه ان تبيع ذهبها مقابل أن يعطي زوجها المزيد من تلك الحبوب العجيبة مع العلم أن ذهب المرأة وخاصة فى الريف أغلى ما لديها.

يروى أيضا أنه فى بعض حملات الانتخابات يتم توزيع حبة فياجرا بالاضافة لورقة فئة عشرين جنيه مقابل الصوت الواحد.
ولعل هذه الامثلة تروى فقط للتدليل على أهمية الفياجرا
ورواج الفياجرا يرجع بشكل كبير لمفعولها طبعا ،وايضا لسعرها حيث انه متاح ان تشترى حبة واحدة وليس علبة كاملة حيث ان الحبة يتراوح سعرها ما بين خمسة لسبعة جنيهات مصرية.

ويدخل على هذا العالم بعض الأدوية كالـترامادول، التراما جاك، التريمال، ويصل سعر الشريط لـ25 جنيها.
وعلى الرغم من أنه متاح تداولها إلا أنها لازالت تشترى فى تواطئ صامت
والسؤال هنا لماذا..؟
هل الشعب المصرى أصبح فى حالة تقتضى أن يكون "عامل دماغ"...؟
أم أن الدماغ أصبحت مطلب عالمى خاصة وأن بعض الدول سمحت بتداول الحشيش بنسب محددة...؟

توجهت بسؤالى هذا للدكتور "فيصل يونس" أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة فأجاب بأن الانسان عرف النباتات المؤثرة على الجهاز العصبى من قديم الزمن مع اختلاف الاديان والثقافات وليس لها علاقة بالانحطاط او الازهار. فكانت لها مكانة ايجابية فى المجتمع، بعضها لأغراض طبية كالأفيون وبعضها لأغراض ترويحية كالحشيش وبعضها للتنبيه وتنشيط حاسة الابداع كالكوكايين.

المواد المخدرة ارتبطت فى الذهن الشعبى بسمات ايجابية خاصة وان الحشيش فى معتقدهم غير ضار وأهم ميزاته هى تيسير التواصل الاجتماعى وتحسين الممارسة الجنسية واطالتة مدتها. بالاضافة انه لم يرد به نص تحريمى وانه كان متاحا عالميا حتى بداية القرن العشرين. فأول مؤسسة حكومية لمكافحة تجارة المخدرات فى مصر تم انشاؤها عام 1927 والحشيش ليس اقل ضررا من السجائر والخمور الا انه لم يدخل فى الثقافة العالمية على عكس الخمور المباحة دعما للسياحة الدولية.
الا ان البحوث اثبتت ان لكل من هذه المواد اثارا سلبية فالحشيش مثلا أهم امراضه ذهان الحشيش ووعطب خلايا المخ.

أما عن الادوية الجنسية فهى مرتبطة بتابو الجنس والفحولة الجنسية فعلى الرغم من انها مصرح بها، الا انها تعامل بسرية تامة فأستخدام الفياجرا معناه ان الرجل غير قادر جنسيا وهذه وصمة لرجولته فالعجز هنا معناه ضعف وعار. ومن اهم المشاكل هو عدم اعتراف الرجل بإحتياجه لعلاج، وتيسير وجود الفياجرا كان حلا سحريا لازمات زوجية كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق